ذوو الهمم في الجزائر.. حياة صعبة ومشكلات جمّة تتطلب تكاتف المجتمع

ذوو الهمم في الجزائر.. حياة صعبة ومشكلات جمّة تتطلب تكاتف المجتمع

يواجه أصحاب الهمم في الجزائر تحديات كبيرة، بالنظر إلى ظروفهم الصعبة التي يواجهونها في مختلف المجالات، خاصة ما يتعلق بالتعليم والعمل.

ومع الاحتفال باليوم الوطني لأصحاب الهمم في الجزائر، دائمًا ما تتجدد مطالب أصحاب الهمم من أجل تحسين الظروف العامة التي يتخبطون فيها.

ورغم مساعي السلطات العمومية من أجل الإدماج الاجتماعي لهذه الفئة، فإنّ عوائق وحواجز عديدة وعلى مستويات مختلفة تحول دون بلوغ الهدف المنشود، فلا يمكن أن يتحقق الاندماج الاجتماعي دون ضمان تعليم وتكوين الشباب من أصحاب الهمم، حيث لا تُلبي التدابير تطلعات الأولياء الذين يعانون من نقص المرافق والمراكز المناسبة. 

وتعاني فئة أصحاب الهمم تهميشًا كبيرًا في مجال النقل، الذي يعد من أبرز التحديات التي تواجه ذوي الهمم في حياتهم اليومية نظرا لما يمثله من مشقة كبيرة لأصحاب الهمم وذويهم، في ظل غياب مسالك خاصة تتيح لهم التنقل في مختلف وسائل النقل. 

وجدد العديد من الأولياء وأصحاب الهمم ومختلف الجمعيات الوطنية والمحلية التي تمثلهم نداءهم إلى السلطات المعنية من أجل تعزيز الجهود والقضاء على مشكلاتهم من خلال رفع عدد هياكل ومراكز الرعاية وتسخير وتهيئة وسائل نقل ملائمة، فضلا عن تسهيل عملية الإدماج الاجتماعي والمهن، وتوفير فرص الدراسة للأطفال من أصحاب الهمم بما ينص عليه القانون وحل مشكلة المرافق الاجتماعي. 

وتحصي الجزائر أزيد من مليون شخص من أصحاب الهمم، حسب ما كشف مستشار وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة والمكلف بتسيير شؤون وكالة التنمية الاجتماعية، رحيم جمال، الذي أوضح أن الجزائر أحصت إلى 31 ديسمبر 2021، مليوناً و118 ألفاً و908 من أصحاب الهمم، يعمل القطاع على تسهيل الاندماج الاقتصادي والتكفل الاجتماعي بهذه الفئة الحساسة من المجتمع، خاصة الفئة التي لا تستطيع العمل، أما بالنسبة لمن يمكنه ولوج عالم الشغل فستتم مرافقتهم وتكوينهم من أجل إدماجهم بسرعة. 

وتُلزم القوانين المعمول بها في الجزائر المؤسسات بتشغيل نسبة 1% من مجموع عمالها من فئة أصحاب الهمم، وتعد فئة الصم البكم هي الفئة الأكثر طلبا في سوق الشغل، وتحظى فئة أصحاب الهمم بمنحة البطالة.

وتتسبب معاناة ذوي الهمم في الجزائر في إقدامهم على وضع حد لحياتهم أمام سياسة التهميش، فوفقًا لتقارير صحفية أقبل شاب في السادسة والعشرين من العمر، على الانتحار في الشرق الجزائري بسبب الوضع المزري الذي كان يعيشه، والضغط الذي تمارسه عليه أسرته التي تطالبه بالعمل بالرغم من إعاقته على مستوى اليدين، لينتهي به الأمر بعد عجز تام إلى الانتحار.

"جسور بوست" ترصد وتناقش أحوال ذوي الهمم في الجزائر.

يوم ذوي الاحتياجات الخاصة.. دعوات متجددة لإدماجهم في المجتمع

مراكز مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة 

تؤكد الحكومات الجزائرية المتتالية توفيرها المراكز والهياكل الضرورية للتكفل بذوي الهمم منذ سن الطفولة وإدماجهم في الحياة العملية والاجتماعية، وقد أعلنت سنة 2013 عن فتح خمسة وعشرين مركزًا للأطفال من أصحاب الهمم “إعاقة ذهنية”.

ووفقًا لتقارير رسمية، أحصت وزارة التضامن الوطني والأسرة في السنة نفسها، مئة وستة وثمانين مركزًا للأطفال من أصحاب الهمم موزعين على مختلف محافظات البلاد، وأعلنت أنها تتكفل بأكثر من ستة عشر ألف طفل معاق. 

وأعلنت الوزارة سنة 2011، أن نسبة نجاح الأطفال أصحاب الهمم في التعليم الابتدائي قدرت بأكثر من تسعين في المئة، وخمس وستين في المئة في شهادة التعليم المتوسط، أما في شهادة البكالوريا/ الثانوية العامة فقدرت النسبة بسبعة وأربعين في المئة. 

وتوجد هذه المراكز المخصصة لأصحاب الهمم عادة في المحافظات الكبرى، وتبعد عن المحافظات الصغيرة والريفية بالرغم من استقرار أغلب ذوي الاحتياجات الخاصة بها. 

في اليوم العالمي لذوي الإعاقة .. تعرفي على حقوقهم | مجلة سيدتي

وأوردت تقارير صحفية أن بعد المسافة يحول دون التحاقهم بالمراكز المخصصة لهم بسبب صعوبة التنقل وغياب التهيئة التي تسمح لهم بالتفاعل مع المجتمع والاندماج فيه، فحافلات النقل الجزائرية الحكومية والخاصة أيضًا، لا توفر مقاعد وأبواباً خاصة بهذه الفئة لا سيما لذوي الإعاقة الحركية، ما ينجر عنه تنقلهم بمساعدة أشخاص آخرين وبصعوبة كبيرة ولا يقتصر الخلل على صعوبة التنقل فقط وإنما يشمل المحيط الخارجي بصفة عامة، إذ يسجل غيابا تاما لممرات خاصة بأصحاب الهمم على مستوى الطرقات وأيضًا المؤسسات ومختلف الإدارات. 

المطالبة بهيئة جديدة لأصحاب الهمم

دعت رئيسة الفيدرالية الجزائرية لأصحاب الهمم عتيقة معمري، في اليوم العالمي للاحتفال بأصحاب الهمم الموافق الثالث من ديسمبر من كل سنة، إلى التأسيس لهيئة جديدة، تُعنى بأصحاب الهمم، ممثلة في كاتبة دولة للأشخاص أصحاب الهمم، مهمتها إعطاء صورة واضحة عن تلك الفئة في المجتمع الجزائري، لرسم السياسة والبرامج الخاصة بهذه الشريحة، التي قالت حيالها: "إننا لا نملك إلى حد الآن صورة واضحة حول وضعيتها الحقيقية". 

وأضافت عتيقة في تصريحات إعلامية: لايزال أصحاب الهمم، للأسف الشديد، يعانون التهميش، وهو ما يعكسه الواقع، ولعل أبسط مثال على ذلك محاولة بعض الأولياء من خلال التأسيس لجمعيات أولياء التلاميذ أصحاب الهمم، والإشراف على تسيير مراكز بطريقة عشوائية، فقط لتغطية النقص المسجل في مجال التكفل بهذه الفئة، في ظل غياب مشروع تربوي، هؤلاء الأولياء مشكورون على جهودهم، غير أن مثل هذه المراكز التي تُعنى بهذه الفئات، تعمل بطريقة غير منظمة، فقط لدعم هذه الشريحة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ما زلنا نتحدث على النقل المكيّف، وتسهيل الوصول، وأعضاء اصطناعية نوعية، وغيرها كثير من المطالب الكلاسيكية التي تعطي صورة واضحة عن وقع هذه الفئة. 

عتيقة معمري .. ضرورة إدماج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة العادية  الجزائر

 واستطردت: ما يجب التأكيد عليه اليوم هو أن المجتمع المدني يقوم بالعديد من المبادرات الإيجابية التي تستحق التشجيع، غير أنها في غياب سياسة وطنية تظل غير كافية لإخراج المعاق من حالة التهميش التي تفرضها عليه البيئة المحيطة به، في اعتقادي أن الحل الوحيد الكفيل بإخراج هذه الشريحة من حالة التهميش هو السعي لتأسيس كتابة دولة للأشخاص أصحاب الهمم. 

وأتمت: يتكون هذا الجهاز من إطارات مختصين، وخبراء في مختلف أنواع الإعاقة، تكون مهمته رسم استراتيجية وطنية حقيقية لتغيير واقع أصحاب الهمم، كلّ حسب إعاقته، كما يتكفل بإجراء تحقيق شامل، وقد تم في هذا السياق، مؤخرا، تنظيم إحصاء وطني، غير أنه لم يشمل العديد من فئة أصحاب الهمم، وبالتالي فإن ما نحتاج إليه هو تحقيق نوعي يعطي صورة واضحة حول حالة كل معاق، وكيف يعيش، وكيف يمكن مرافقته وعلاجه، وما البرنامج الذي يحتاج له لإخراجه من التهميش وللمشاركة في الحياة الاجتماعية.. منذ أكثر من أربع سنوات ونحن، كفيدرالية، نشارك في مختلف اللجان التي تدعو إليها وزارة التضامن الوطني، لإعطاء رأينا في مواضيع مختلفة تخص أصحاب الهمم وتسهيل الوصول، أو الوقاية من الإعاقة، أو في مجال العمل وغير ذلك، غير أننا لم نشهد في الواقع أي تغيير يُذكر.

صفحة ذوي الهمم في الجزائر

قامت مجموعة من الشباب المتطوعين، بإنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك هي تهتم بنقل أخبار وانشغالات أصحاب الهمم، وقد تمكنت من استقطاب خمسة وأربعين ألف معجب، وما بين ثلاثة آلاف إلى سبعة آلاف مشاهدة يوميًا لمنشوراتها، في محاولة لمساعدة أصحاب الهمم ليكونوا أكثر فاعلية واندماجًا في مجتمعهم.

بدوره، علّق أدمن صفحة "ذوي الهمم في الجزائر" على موقع فيسبوك، مروان أحمد بقوله: “في الوقت الذي تتحدث فيه السلطات الجزائرية عن مشاريع اقتصادية كبرى لدعم أصحاب الهمم، فإنها لا تخصص لنا سوى منحة بسيطة مرتبطة بشروط كثيرة وتمارس ضدنا بيروقراطية إدارية وتعقد إجراءات إيداع ملفاتنا”.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، إن غالبيتنا يشكون معاناة يجدونها في حياتهم بسبب وضع أصحاب الهمم، وكان الحل بالنسبة للكثير منا، توجيه نداءات للمواطنين عبر وسائل الإعلام والجمعيات الخيرية من أجل شراء الكراسي المتحركة، وتركيب أعضاء اصطناعية، وشراء أدوية، وغيرها من اللوازم التي لا توفرها الدولة ولا تكفي المنحة الشهرية إطلاقًا لتغطية نفقاتها. 

Aucune description disponible.

وتابع: في المقابل يلجأ البعض منا، وأغلبهم من ضحايا الأخطاء الطبية وضحايا حوادث المرور وحوادث العمل، إلى طرق أخرى من أجل إيصال رسائلهم والمطالبة بحقوقهم كالإضراب عن الطعام، والاعتصام أمام بعض الهيئات الإدارية والمؤسسات الحكومية، على غرار قيام شاب يعاني إعاقة حركية، مؤخرًا بالاعتصام أمام كلية الحقوق بالجزائر. 

واختتم حديثه بوصف وضع نشرته الصحف الجزائرية عن انتحار معاق، قائلًا: "تتسبب هذه المعاناة عند آخرين في إقدامهم على وضع حد لحياتهم أمام معاناة التهميش لحقوقهم وقهر المجتمع والعائلة وقد أقبل شاب، في السادسة والعشرين من العمر، على الانتحار في الشرق الجزائري بسبب الوضع المزري الذي كان يعيشه، والضغط الذي تمارسه عليه أسرته التي تطالبه بالعمل بالرغم من إعاقته على مستوى اليدين، لينتهي به الأمر بعد عجز تام إلى الانتحار".

تعددت الأسباب والتهميش واحد

قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الجزائري، توفيق قويدر شيشي، إن لذوي الهمم في الجزائر وضعا متأرجحا بين التردي ومحاولة النهوض والاهتمام بهم، وتشير الإحصائيات إلى أن 15% من المجتمع الجزائري مصابون بإعاقة، وتختلف الأسباب المسببة لتلك الإعاقات، فمنهم ضحايا حوادث المرور، التي أسهمت في الرفع من معدل الإعاقة، وبعضهم ضحايا ولادات صعبة، ونعتقد أن في الإمكان تجاوز مثل هذه الأسباب، من خلال تحسين نوعية التكفل بالمرأة أثناء الولادة، والاهتمام بمختصين يشرفون على وضعية الأشخاص من أصحاب الهمم. 

وأضاف قويدر في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": إذا أرادت الجزائر -على غرار باقي الدول التي صادقت على الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الأشخاص أصحاب الهمم- ألّا تسجل تأخرا وتعمل وفق برامجها وسياستها على التكيف وفق الاتفاقية الدولية للأشخاص أصحاب الهمم، فلا بد لها أن تسعى لتنفيذ بنود الاتفاقية، التي تُعتبر ملزمة لها.

محلل سياسي مقيم في باريس يكشف منابع تمويل المعارضة الجزائرية في أوروبا -  آسيا اليوم

وتابع: "ذلك يكون أيضًا من خلال تغيير النظرة إلى الإعاقة في حد ذاتها، والتي لم تعد مرتبطة بالخلل الجسدي، وإنما بالمحيط غير المكيّف، الذي يحول دون تمكين أصحاب الهمم من تجاوز  إعاقتهم ودعم قدراتهم، على أن يكون هدفنا الوصول إلى تكييف العوامل المساعدة على إخراج أصحاب الهمم من حالة التهميش، والانتقال بهم من الإعاقة الثقيلة، إلى حياة المشاركة، والإعاقة الخفيفة.

المجتمع المدني الجزائري أملٌ أخيرٌ

ينشط عدد محدود من الجمعيات والمنظمات في مجال حقوق أصحاب الهمم في الجزائر، لكن تبقى أنشطتهم فسحة الأمل الوحيدة.

 أصدرت جمعية "أمل نور السلام للتضامن" بمحافظة المسيلة، صحيفة أسبوعية جزائرية تُعنى بأصحاب الهمم، تحت مسمى "عبير" وتنقل مشاغلهم وتخصص خمسين في المئة من أرباحها كمساعدات مادية لفائدتهم.

ووفقًا لتقارير صحفية، تأتي هذه المبادرة من أجل خلق صوت إعلامي يخدم هذه الفئة وينقل مشاغلها للمسؤولين والمواطنين الراغبين في المساعدة. 

من جهة أخرى، لقي مشروع جمعية "اليمامة" رواجًا، باعتباره سابقة في الجزائر، وهو يتمثل في الإدماج المدرسي للأطفال من أصحاب الهمم في محاولة لتقليل الفوارق بينهم وبين باقي الأطفال، وتفادي استبعادهم من قِبل المعلمين لعدم ملاءمة المدرسة وخصوصيتهم. 

وكان رئيس جمعية "اليمامة" الناشطة في محافظة الجزائر، بشير براق، قد قدم مشروعًا من أجل الاعتراف بحقوق أصحاب الهمم، في التعليم، والحياة المهنية والحق في الثقافة، وحمل المشروع شعار "الإدماج التربوي للطفل من أصحاب الهمم في المدارس العادية". 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية